حقق التوازن النفسي في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم أسمى غاياته فكان ذو نفس سوية تتمتع بمثالية يدركها من له أدنى معرفة بالسلوك النفسي وأبعاده فما كان صلى الله عليه وسلم بالكئيب العبوس الذي تنفر منه الطباع ولا بالكثير الضحك الهزلى الذي تسقط مهابته من العيون ولم يكن حزنه وبكاؤه إلا مما يحزن ويبكى منه العقلاء في غير إفراط ولا إسراف.
وفي ذلك يقول ابن القيم: [وأما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فلم يكن بشهيق ورفع صوت ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا ويسمع لصدره أزيز وكان بكاؤه تارة رحمة للميت وتارة خوفا على أمته وشفقة عليها وتارة من خشية الله وتارة عند سماع القرآن وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال مصاحب للخوف والخشية ولما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه وبكى رحمة له وقال: ((تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون))، وبكى لما شاهد إحدى بناته ونفسها تفيض وبكى لما قرأ عليه ابن مسعود سورة النساء وانتهى فيها إلى قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} وبكى لما مات عثمان بن مظعون وبكى لما كسفت الشمس وصلى صلاة الكسوف وجعل يبكى في صلاته وجعل ينفخ ويقول: ((رب ألم تعدني ألا تعذبهم وأنا فيهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك)) وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته وكان يبكى أحيانا في صلاة الليل].
أما ضحكه صلى الله عليه وسلم: فكان يضحك مما يُضحك منه وهو مما يُتعجب من مثله ويستغرب وقوعه ويستندر كما كان يداعب أصحابه. فعن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال (أتت امرأة يقال لها أم أيمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن زوجي يدعوك قال: ومن هو ؟ أهو الذي بعينه بياض ؟ قالت والله ما بعينه بياض فقال بلى إن بعينه بياضا فقالت لا والله فقال ما من أحد إلا وبعينه بياض) رواه أبو داود وعن أنس بن مالك أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستحمله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنا حاملوك على ولد ناقة) فقال يا رسول الله ما أصنع بولد ناقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهل تلد الإبل إلا النوق) رواه الترمذى.
التوازن السلوكي في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان التوازن السلوكي في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد دلائل نبوته فلقد جعل هذا التوازن من رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة العليا التي تمثلت فيها كل جوانب الحياة فهو الأب والزوج ورئيس الدولة والقائد للجيش والمحارب الشجاع كما كان المستشار والقاضي والمربى والمعلم والعابد والزاهد … إلى آخر صفاته صلى الله عليه وسلم التي كانت من الخصب بحيث استوعبت كل جوانب حياة البشر الأمر الذي جعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للناس كافة على اختلاف طبقاتهم ومشاربهم حتى تقوم الحجة على الناس مرتين مرة بالبيان النظري ومرة بالبيان العملي وإليك بعض مظاهر هذا التوازن السلوكي:-